أرأيتم يوماً الحكمة مع السذاجة مجتمعة .. والشيخوخة مع البراءة .. والذكاء مع البساطة… ؟؟أما أنا فقد رأيتها .. فقد كانت متجسدة في جدتي … تلك البسيطة .. القديمة .. ذات التضاريس الكثيرة .. أحبت الحياة.. فأحبتها ومنحتها عمراً مديداً، وصحة احتفظت بها حتى شهورها الأخيرة .
أذكرها دائماً جالسة .. وقليلاً واقفة ..ونادراً ما أذكرها تسير … لم تكن يداها كسائر المسنات تضع واحدة على الأخرى بل كنت أراها دائماً - إن لم تكن تصلي - في وضعين لاثالث لهما الأول موجهتان للسماء بالدعاء والثاني متواجهتان - أي تصفقان !!!.. نعم كانت دائماً تصفق وتغني لنفسها.. ليس لأن لها صوتاً جميلاً أو لانها تحب الغناء والطرب بشكل خاص .. فجدتي كانت بعيدة عن ذلك تماماً .. بل لأنه كان تسليتها وكان تعبيرها عن حبها للحياة ..
ثمانون عاماً وأكثر لم تفقد جدتي دهشتها أو رغبتها في الحياة .. لم أسمعها يوماً تشكو .. أو تتذمر ..لم يكن لليأس مكاناً عندها .. فلربما لم تكن تعلم بوجوده ..أو ربما لم يكن قد ولد حينها!!
تعلمتُ منها وهي الأمية .. كيف تحب الأمهات دون أن تنتظر مقابل … فقد انتظرت ابنها عشرات السنين لتراه .. غنت له .. حلمت به .. تحدثت عنه .. لم يمر يوماً في حياتها .. بل ساعة دون أن تذكره .. كنت أتساءل حينها وأنا صغيرة .. أترى يذكرها كما تذكره ؟؟
لاعلاقة تشبه علاقة الأم بأبنائها ..فهي العلاقة الوحيدة التي ليس شرطاً التبادل فيها …فالطرف الأول عطاءٌ متدفقٌ وحب إلى أبعد الحدود غير مرتبط نهائياً بحبٍ أوعطاءٍ من الطرف الآخر ..
عرفت منها وهي البسيطة كيف تكمن السعادة في البساطة وعدم التطلب .. فلم تكن تحتاج الكثير لتبقى محتفظة بتفاؤلها .. أقل شيْ كان يدخل السعادة إلى قلبها ويشعرها بالاكتفاء .وحل أي مشكلة لديها ليس له بدائل فهو واضح وضوح الشمس فلاتعقيدات تحيرها وتجعلها تضل طريقها إليه .
وأدركت - ولكن بعد وفاتها - كم نخطىء في حق من نحب عندما لانعبر.. بل أحياناً لانحاول البحث عن الوسيلة المناسبة للتعبير عن مشاعرنا تجاههم … لنصحو وقد مر الزمن ومروا معه … فنندم ..وما أصعبه من إحساس ..وما أقساه حينها .
سنوات وسنوات مرت على وفاتها … ودائماً أذكرها وأسأل نفسي لماذا لا أشبهها؟؟ بل لماذا أختلف عنها كل هذا الاختلاف.. ؟؟ هل هو الاختلاف نفسه بين إدراكينا؟ بين ثقافتينا ؟؟ أم بين زمنينا ؟؟أتخيل أحياناً جدتي عندما كانت شابة .. هل كان إيقاعها أسرع مما عرفتها .. ؟؟ أما كان كإيقاع زمنها البطىء ؟؟ وهل من علاقة بين الإحساس بالزمن وبين سرعة إيقاعه ..؟؟!
..والأسئلة لاتتوقف .. هل كان زمنهم بكل مشقاته وبساطته أفضل أم زمننا بكل إمكانياته وتسهيلاته المعقدة؟؟ وهل هناك ما هو أثمن لدى الإنسان من الشعور بالبساطة وهدوء البال ؟؟…أم نحن هكذا غالباً ما نفضل ماليس لدينا ؟أم أن الإجابة كما هي معظم الأحيان في مواضيع كهذه .. “كل الأمور نسبية “.
جدتي ..
أحببتك كما أحببت طفولتي وبيتنا القديم وشجرة التين ودالية العنب فيه …أحببتك كما أحببت كل شيء نقي وبرىء …. أحببتك لأنني رغم كل ما في داخلي من تعقيدات وغموض .. أحب البساطة والوضوح … ولا زلت أحبك وسأبقى .. لأنني سأبقى أحب جذوري وأحب الخير وأحب كل شيء جميل .
مع فائق التقدير
شيرين نصري
أذكرها دائماً جالسة .. وقليلاً واقفة ..ونادراً ما أذكرها تسير … لم تكن يداها كسائر المسنات تضع واحدة على الأخرى بل كنت أراها دائماً - إن لم تكن تصلي - في وضعين لاثالث لهما الأول موجهتان للسماء بالدعاء والثاني متواجهتان - أي تصفقان !!!.. نعم كانت دائماً تصفق وتغني لنفسها.. ليس لأن لها صوتاً جميلاً أو لانها تحب الغناء والطرب بشكل خاص .. فجدتي كانت بعيدة عن ذلك تماماً .. بل لأنه كان تسليتها وكان تعبيرها عن حبها للحياة ..
ثمانون عاماً وأكثر لم تفقد جدتي دهشتها أو رغبتها في الحياة .. لم أسمعها يوماً تشكو .. أو تتذمر ..لم يكن لليأس مكاناً عندها .. فلربما لم تكن تعلم بوجوده ..أو ربما لم يكن قد ولد حينها!!
تعلمتُ منها وهي الأمية .. كيف تحب الأمهات دون أن تنتظر مقابل … فقد انتظرت ابنها عشرات السنين لتراه .. غنت له .. حلمت به .. تحدثت عنه .. لم يمر يوماً في حياتها .. بل ساعة دون أن تذكره .. كنت أتساءل حينها وأنا صغيرة .. أترى يذكرها كما تذكره ؟؟
لاعلاقة تشبه علاقة الأم بأبنائها ..فهي العلاقة الوحيدة التي ليس شرطاً التبادل فيها …فالطرف الأول عطاءٌ متدفقٌ وحب إلى أبعد الحدود غير مرتبط نهائياً بحبٍ أوعطاءٍ من الطرف الآخر ..
عرفت منها وهي البسيطة كيف تكمن السعادة في البساطة وعدم التطلب .. فلم تكن تحتاج الكثير لتبقى محتفظة بتفاؤلها .. أقل شيْ كان يدخل السعادة إلى قلبها ويشعرها بالاكتفاء .وحل أي مشكلة لديها ليس له بدائل فهو واضح وضوح الشمس فلاتعقيدات تحيرها وتجعلها تضل طريقها إليه .
وأدركت - ولكن بعد وفاتها - كم نخطىء في حق من نحب عندما لانعبر.. بل أحياناً لانحاول البحث عن الوسيلة المناسبة للتعبير عن مشاعرنا تجاههم … لنصحو وقد مر الزمن ومروا معه … فنندم ..وما أصعبه من إحساس ..وما أقساه حينها .
سنوات وسنوات مرت على وفاتها … ودائماً أذكرها وأسأل نفسي لماذا لا أشبهها؟؟ بل لماذا أختلف عنها كل هذا الاختلاف.. ؟؟ هل هو الاختلاف نفسه بين إدراكينا؟ بين ثقافتينا ؟؟ أم بين زمنينا ؟؟أتخيل أحياناً جدتي عندما كانت شابة .. هل كان إيقاعها أسرع مما عرفتها .. ؟؟ أما كان كإيقاع زمنها البطىء ؟؟ وهل من علاقة بين الإحساس بالزمن وبين سرعة إيقاعه ..؟؟!
..والأسئلة لاتتوقف .. هل كان زمنهم بكل مشقاته وبساطته أفضل أم زمننا بكل إمكانياته وتسهيلاته المعقدة؟؟ وهل هناك ما هو أثمن لدى الإنسان من الشعور بالبساطة وهدوء البال ؟؟…أم نحن هكذا غالباً ما نفضل ماليس لدينا ؟أم أن الإجابة كما هي معظم الأحيان في مواضيع كهذه .. “كل الأمور نسبية “.
جدتي ..
أحببتك كما أحببت طفولتي وبيتنا القديم وشجرة التين ودالية العنب فيه …أحببتك كما أحببت كل شيء نقي وبرىء …. أحببتك لأنني رغم كل ما في داخلي من تعقيدات وغموض .. أحب البساطة والوضوح … ولا زلت أحبك وسأبقى .. لأنني سأبقى أحب جذوري وأحب الخير وأحب كل شيء جميل .
مع فائق التقدير
شيرين نصري
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني