مواطنون في سورية:
"عقد وطني"
حبيب عيسى
habib.issa@yahoo.com
( 1 )
لكم أيها السادة أن تتوقعوا مدى المرارة التي أشعر بها ، وأنا أتحدث عن الوحدة الوطنية في "دولة سورية" ، وأنا الذي فتح عينيه في منتصف القرن المنصرم على حلم الوحدة العربية بين المحيط والخليج ، كحامل لمشروع حضاري تنويري للإنسانية جمعاء ، لم تكن القومية العربية بالنسبة إلينا في يوم من الأيام مشروعاً عرقياً ، أو عنصرياً ، أو شوفينياً ،أو دينياً ، أو مذهبياً ، أو طائفياً ، بل كانت ، وما زالت مشروعاً حضارياً ، في مواجهة العرقية والعنصرية والشوفينية ، والعصبوية الدينية والمذهبية والطائفية ، بدليل أننا في خمسينيات ذلك القرن هجرنا علاقات ماقبل المواطنة ، لننسج علاقات سياسية فكرية اجتماعية ثقافية عابرة للأديان والطوائف والمذاهب والإثنيات ، حتى بات مجرد الحديث الفتنوي في مثل تلك المسائل مثيراً للإشمئزاز والقرف ، كان المشروع القومي العربي النهضوي التنويري التقدمي مشروعاً للأنسنة والمساواة والعدالة ، ونبذاً للتوحش والفرقة والظلم والظلام ، لكن هذا المشروع انتكس لإسباب ذاتية وموضوعية داخلية وخارجية ، ليس هنا مجال البحث فيها ، فقط نحن هنا في مجال معالجة نتائج هذا الانتكاس الذي لم يقتصر على الصعيد السياسي ، وإنما امتد النكوص إلى تدمير النسيج الاجتماعي للدول الإقليمية ذاتها حيث تغوّلت أجهزة السلطات الإقليمية في الاستبداد والفساد بالاعتماد على عصبيات ماقبل المواطنة ، مما أدى إلى إضعاف النسيج المجتمعي ، ووضع المجتمع أمام أحد خيارين : إما الرضوخ خوفاً من أجهزة القمع ، وإما الرضوخ خوفاً من تفتيت المجتمع ، وهكذا امتد الخوف من الحاضر إلى المستقبل ، فاستوى الطغاة على عروشهم طيلة النصف قرن الأخير في الوطن العربي بنسب متفاوتة ، وتحت عناوين مختلفة ، لكنهم نسجوا معاً هذا الليل العربي الطويل بتواطؤ بيّن مع عصبويات فاسدة ومفسدة في الداخل ، وبصفقات مستترة مع قوى الهيمنة الخارجية .
ما يعنينا هنا أن بعض القوى من قوى كانت قومية عربية تورّطت في السيطرة على السلطات في أقاليمها ، ومنذ لحظة سيطرتها على السلطة الإقليمية وجدت نفسها أمام خيارين : إما تسخير ما حصلت عليه من سلطة في خدمة المشروع القومي العربي التقدمي ، وإما تسخير المبادئ والأهداف النبيلة ، للتسلط في الإقليم ، وقد اختارت الخيار الثاني للأسف ، واعتبرت أن الحفاظ على الإمساك بالسلطة الإقليمية هو الغاية ، وأن جميع الوسائل في هذا السبيل مشروعة ، ومنذ تلك اللحظة التهمت السلطة وفسادها واحتكارها أحلام القوميين الذين انخرطوا في دهاليزها ، وتم الطلاق البائن بين النهجين ، فدخلت نظم الاستبداد والطغيان القديمة والجديدة في نادي الأسر الحاكمة والمتحكمة في الوطن العربي مما دعى المفكر القومي العربي المرحوم عبد الله الريماوي لتخصيص كتاب بحث فيه آلية "الإقليمية الجديدة" وأخطارها التي فاقت الإقليمية التقليدية ، والأسوأ في الموضوع كله أن ذلك الفساد والتوحش الإقليمي بات يُحسب على القومية العربية وُينسب لها .
( 2 )
لقد أحكمت أنظمة الاستبداد الإقليمية ، القديمة والجديدة ، حصارها على المجتمع العربي ، وأباحت موارده للنهب الخارجي ، واستباحت مع مافيات الفساد الداخلي ما تبقى من تلك الموارد ، وانتقلت تلك السلطات من رفع أهداف الشعب العربي بتحرير فلسطين ، والمحتل من الوطن العربي شرقاً وشمالاً وجنوباً وغرباً إلى اللهاث وراء صفقات مع صهاينة فلسطين ، وغير فلسطين ، وكانت نظم الاستبداد تلك ، وخلال مسيرتها الطويلة عبر عقود ُتغلق بإحكام كافة الطرق المحتملة للثورة عبر تغّول أجهزتها القمعية من جهة ، وعبر تدمير النسيج الاجتماعي في الأجزاء ، وفي الكل العربي بالتوازي ، فقد استنفرت جميع أدواتها لنفي وجود المجتمع العربي ، وقد تفلسف في ذلك المتفلسفون ، ثم انكفأت لتنفي "المجتمعات" حتى في الأجزاء التي تحكمها ، فهي الأخرى ، كما يريدها المستبدون مطية للاستبداد ، عبارة عن تكوينات مختلفة من أقليات وأكثريات ، من حاكمة ومحكومة ، من ظالمة ومظلومة ، وبالتالي ، فإن الحديث عن المواطنة والمساواة في الأجزاء يجافي الواقع الموضوعي من وجهة نظرها ، ومن باب أولى في هذه الحالة أن ينتفي الحديث عن المواطنة في الكل العربي . وعلى أية حال ، فإن الاستبداد مهما كان عنوانه يؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي في البلاد ، أية بلاد ، كما قال ذو الفقار علي بوتو في أواخر أيامه .
لقد استمر هذا الواقع المرّ عقوداً من الزمن إلى أن أبدع الشباب العربي في تونس أسلوباً غير مسبوق في علم الثورات حيث ، لا أحزاب ، لا قيادة ، لا رمز كاريزمي ، بالإضافة إلى أجهزة قمع تحصي أنفاس الشعب ، وتتوحش قتلاً وتعذيباً، ومع ذلك الشعب يثور ، ويُبدع أساليب لم تخطر على بال الطغاة ، فيهرب الطاغية ، ويفتح الشباب نافذة في الجدار الذي كان يُعتقد أنه مسدود ، ثم تنتقل الشعلة في أرجاء الوطن العربي ، لتسّتفذ ملكة الإبداع لدى جيل شاب بين المحيط والخليج ، وضع حداً للخوف ، وقرر المواجهة .
( 3 )
لا أعتذر عن هذه المقدمة ، فلا يمكن فهم ما جرى ، وما يجري في سورية إلا باعتباره قبس من هذا الربيع العربي الذي يلوح في الأفق ، ويجّد السير باتجاهه جيل عربي هجر الخوف ، وغادر حلقات تبرير الهزائم ، وتسرّب من حلقات أحزاب أنهكها القمع وحّولها إلى هياكل عظمية عاجزة عن النهوض ، جيل خلع رداء الاستسلام والاستلاب ، وقرّر أن يقلعّ شوكه بيديه ، وأن يستعيد حلم التحرر والحرية ، قد ينتصر ، وقد ُيهزم ، لكنه يحاول ، وهذا شرف عظيم أشبه بالحلم بالنسبة لجيلنا الذي أنهكه الفشل .
أعرف ، وأعترف أن الكثيرين في الوطن العربي لا يشاركونني هذا التفاؤل ، ومنهم رفاق درب طويل من المعاناة ، وأخوة وأصدقاء ، إنهم جميعاً يتوجسون خيفة من مستقبل يبدو غامضاً ، ولعل أكثر ما يخيفهم أن ما يجري من حراك ثوري في الوطن العربي يتم من خارج صفوفهم ، واصطفافاتهم ، وإيديولوجياتهم إضافة إلى أن الذاكرة العربية تختزن ما لا يحصى من المؤامرات الخارجية ، والفتن الداخلية ، لذلك ، ورغم إقرارهم بسوء الواقع ، فإنهم اعتادوا عليه ، فربما يكون القادم مغامرة إلى الأسوأ .
إنها مخاوف مشروعة على أية حال ، لكن الركون إلى الواقع المأساوي السائد في الوطن العربي لم يعد يطاق من وجهة نظري ، والسكوت عليه هو الذي يقود إلى الأسوأ ، على العكس الحراك ضده يفتح الأبواب للخروج من المحنة ، ولعل المخاوف لدى البعض بأن هذه الثورة العربية لا قائد لها ، هي ذاتها مصدر التفاؤل بالمستقبل ، ذلك أننا نجد أنفسنا أمام جيل كامل من الرموز لا تابع ولا متبوع ، وهذا هو بالضبط مايحصّن هذه الثورة ، ويسّد الطرق أمام المؤمرات الخارجية ، والفتن الداخلية .
إنها ثورة بين المحيط والخليج ، وهي إما أن تنتصر بين المحيط والخليج ، وإما أن ُتهزم بين المحيط والخليج ، ولعل الأبناء والأخوة في تونس ومصر يدركون اليوم مدى خطورة تعثرّ نجاح الثورة في بقية أرجاء الوطن العربي ، وأثره السلبي على نجاح ثورتهم في تونس ومصر .
( 4 )
ولعله من المفيد في هذه المرحلة التأكيد أن القومية العربية التي عبرّت عن نفسها مع بداية القرن العشرين في بلاد الشام من خلال جمعيات ومنتديات وإرهاصات مؤسسات شبه حزبية كانت في مواجهة حملة التتريك التي قادتها جمعية الاتحاد والترقي التركية ، ولم تكن القومية العربية في يوم من الأيام دعوة عرقية ، أو عنصرية ، أو شوفينية تميّز بين المواطنين في بلاد الشام بمقتضى أروماتهم العرقية أو الدينية أو الطائفية أو المذهبية ، وبالتالي فإن القومية العربية انطلقت أساساً من فكرة المواطنة ، وباتجاه المواطنة والعدالة والمساواة .
وهكذا ، فإن القومية العربية أساساً هي دعوة توحيد المجتمع في مواجهة العدوان الخارجي ، وفي الوقت ذاته توحيده في مواجهة جميع أشكال التمييز والامتياز والتهميش والإقصاء والاستبداد في الداخل العربي ، وبالتالي عندما وقف الرواد يقاومون مخططات تقسيم الأمة ، فلأنهم رأوا في ذلك انتقاصاً من الحرية والمساواة والعدالة والمقدرة على التطور ، ووضع الأجزاء ، والكل في إطار التبعية للخارج ، وإنتاجاً لعصبيات الاستبداد والفساد والتخلف في الداخل .
وأنا هنا لست في وارد الحديث عن أرومات الأعراق والقبائل ، ومسار الأديان ، فمجموع تلك الأرومات تشكل التاريخ الوطني الجمعي للمجتمع كله ، أما بما يتعلق بالأديان ، فنتمسك بالخطاب الإلهي الأخير للبشرية "فليؤمن من يؤمن وليكفر من يكفر" ، على أن يتم ذلك كله في إطار المواطنة ، وعدم التمييز ، وهذا ما عبّر عنه الثوار الذين قاوموا التتريك أولاً ، ثم واصلوا الثورة لمقاومة الاستعمار الغربي بعد ذلك بعزيمة أشد ، فهذا الشيخ صالح العلي يعبّر عن ذلك شعراً :
يا فرنسا لا تظني أننا نقبل الخسف ، فما نحن عبيد
سوف تلقين من العرب وقد أجمعوا رأيهم يوماً شديد
ويضيف :
كفاكم خداعاً وافتراء وخسة وكيداً وعدواناً لأبناء يعرب
تودون باسم الدين تفريق أمة تسامى بنوها فوق دين ومذهب
تعيش بدين الحب قولاً ونية وتدفع عن أوطانها كل أجنبي
وما شرع عيسى غير شرع محمد وما الوطن الغالي سوى الأم والأب
( 5 )
ثم ، وفي مطلع العشرينات من القرن المنصرم بُعيد الاحتلال الفرنسي لسورية امتدت يد السوء تحت مبدأ "فرق تسد" إلى إذكاء روح البغضاء بين المواطنين العرب المسلمين من "العلويين والسنة" في منطقة بانياس الساحلية ، فحدثت الفتنة ، وبغض النظر عن الأسباب ، والمسبّب ، انتهت إلى أن البعض من "المسلمين العلويين" أحرقوا ونهبوا كل ما وصلت إليه أيديهم من مال وحيوان ، فوقف الشيخ الجليل سليمان أحمد غاضباً مستنكراً ، وأصدر فتواه الشهيرة التي ننقلها حرفياً :
"إلى سائر إخواننا من أهل الولاية"
( إن هذه الفوضى خارجة عن الدين والإنسانية معاً ، فالواجب على كل من يؤمن بالله واليوم الآخر ويوالي العترة الطاهرة أن يبذل وسعه لإرجاع هذه المسلوبات إلى أربابها . ومن منعته الجهالة والعصبية من الانقياد إلى أمر الله وطاعة المؤمنين ، فليُهجر ولا يُعاشر ولا يجوز أن تُقبل منه صدقة ولا زكاة ولا يُصلى عليه إذا مات حتى يفيء إلى أمر الله ، وبما أنه لا قوة لنا على تنفيذ أحكام الشرع الشريف في هذه المسألة ، فنحن نفعل ما يجب علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لئلا نقع تحت طائلة الوعيد . فإن المنكر إذا فشا عمّت عقوبته الحُلماء والسفهاء معاً ، فالعقوبة تقع على الحلماء لترك النهي ، وعلى السفهاء لعدم التناسي ، وإذا وُجد من المشائخ من يتساهل مع أهل الجهالة يُعامل معاملتهم . اللهم إنا نبرأ إليك من هذه الأعمال الجائرة وممن يُقرّها . ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . )
- خادم الشريعة الإسلامية المقدسة
سليمان أحمد
لم يكن بيد الشيخ الجليل أية سلطة زمنية رادعة ، فقط كانت سلطته على الوجدان والضمائر ، فبعد أن ندد بالفعلة فوجئ الجهلة بهذا الموقف الحازم ، فتهافتوا على المراكز المخصصة يعيدون كل ما لديهم من أسلاب ونهائب وأمُنّ المسلوبون والمنهوبون ، واستدعوا لهذه المراكز ليتعّرف كل منهم على دوابه ومسلوباته ، ويأخذها آمناً مطمئناً .
إننا نورد هذه الواقعة لنبّين لكل من يعنيهم الأمر أن الشعب في ظروف المحن يحتاج إلى صوت الحكمة والعقل ، لمواجهة الغرائز والتوحش والجهالة ، لم يتطرق الشيخ لمن تسبّب بالفتنة لأنه يرفض تبرير الجهالة بالجهالة ، وهو قاضي قضاة المذهب العلوي الإسلامي الذي اعتمد الفقه الإسلامي مصدراُ لأحكام المحاكم المذهبية في جبال العلويين عام 1922 فساء ذلك الحاكم الفرنسي آنذاك الجنرال "بيّوت" الذي كان يسعى لعزل الجبل ، وذلك إمعاناً في تقسيم ما تبقى من سورية إلى دول ، فقابل الشيخ يُزيّن له الأخذ بنظام العرف والعادة ، ويغمز من ناحية الفتاوي التي صدرت عن البعض ُيحّل فيها قتل العلويين وسبي نسائهم ... وعندها تبيّن الشيخ الجليل هدف الجنرال ، فانتفض مُغضباً ناسياً رهبة السلطان وجبروته وقال : "إن الغرض يُعمي ويُصم" ، (سيادة الجنرال :سواء عبدنا الحجر أو عبدنا المدر ، فليقيننا أن هذا هو ما جاء به محمد بن عبد الله ، فلشاكّ أن يشك في صحة فهمنا لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن لا شك في انتسابنا واتباعنا له . ) .لم يكن الموقف موقف حوار ، وإنما كان موقف حسم ، وهكذا كان .
( 6 )
ولم يتوقف جنرالات الاستعمار عن محاولاتهم في تقسيم سورية فحاولوا عن طريق التبشير ثم أصدروا قانون الطوائف 1939 الذي ُيفرّق بين المسلمين ، "سنة وعلويين" ، فوجّه الزعيم إسماعيل هواش الرسالة التالية :
( لحضرة الأستاذ الفاضل الشيخ يس أفندي عبد اللطيف الأكرم .
سلام الله عليكم وبعد .
لا ُيخفى عليكم القرار الصادر عن المفوض السامي بخصوص قانون الطوائف . الذي كنتم تحاربوا هذه الفكرة قبل ظهورها ، أي من يوم ابتداء التبشير والتنصير في عشيرة السيد أمين رسلان ، وكنتم تعملون على خنق هذه الروح الخبيثة . وعقدتم اجتماعات شتى وقدمّتم الاحتجاجات للمفوضية العليا ووزارة الخارجية الأفرنسية وجامعة الأمم . فما بالكم بعد أن سمعتم المفوض السامي يذيع في الراديو بتوقيف تنفيذ القرار على السنة المسلمين من دوننا ، أو من دون المذاهب الإسلامية الأخرى . أرضيتم بذلك ؟ ، أم أنكم ستجابهون هذا التصريح بتصريح من عندكم كما صرح المجتهد الشيخ محسن الأمين ، وأعلن استنكاره ، وتحملون الزعماء والمشايخ والعلماء والوجهاء على استنكار هذا الموقف الشاذ . فو الله إذا لم تقوموا قومة الرجل الواحد ، وتقفوا أمام مظالم هذا القرار عمتنا البلوى، واستهدفنا التبشير والتنصير ، وأصبحت أبنائنا من بعدنا طعمة سائغة للاستعمار الأجنبي ، وعلى كل ، فالمسؤولية توجه عليك أولاً ثم يتبعكم الزعماء والعلماء ، والله تعالى يأخذ بيدنا لنصرة الحق والإسلام .
والسلام .
عن دمشق : 19 آذار /1939 )
زعيم عشائر المتاورة
اسماعيل هواش
غني عن القول أننا هنا بمواجهة موقف استعماري يستهدف محاصرة الداخل من الساحل ، ومحاصرة الساحل من الداخل لتسهيل مهمة الاحتلال ، وأن الموقف هنا موقف من مقاومة مخططات المستعمر ، ولا علاقة له بالدين إلا كوسيلة للفتنة من قبل المستعمرين .
( 7 )
وكانت سلطات الاستعمار الفرنسي قد أمعنت في تقسيم سورية وأعلنت نيتها إقامة "الدولة العلوية" فقاوم أبناء الجبل ورموزه المخلصين ، وشكلوا وفداً يمثل المواطنين في الجبل يضم مختلف الفئات توجّه إلى دمشق ، ولعله من المفيد نقل الخبر كما ورد في مصطلحات تلك الأيام ، فقد نشرت "جريدة الشعب" التي تصدر في دمشق على صدر صفحتها الأولى في عدد يوم الثلاثاء : 10 آذار 1936 الخبر التالي "مانشيت" مُرفقاً بصورة كبيرة لأعضاء الوفد ، وننقل الخبر كما ورد في الصحيفة دون أي تصرف :
"وفد زعماء البلاد العلوية في دمشق"
"الكتلة الوطنية وزعماء البلاد يحتفلون بالوفد العلوي احتفالاً عظيماً"
(وصل دمشق في أول أيام العيد وفد كبير من كبار زعماء البلاد العلوية وأقطابها وزعماء شبابها ، فاحتفلت بهم دمشق احتفالاً عظيماً منقطع النظير ، وزارهم في نزل "أوريان بالاس" ، حيث نزلوا ، حضرة رئيس الكتلة الوطنية السيد هاشم الأتاسي ، والسادة فارس الخوري ، وجميل مردم بك ، لطفي الحفار ، شكري القوتلي ، مظهر رسلان ، إحسان الشريف ، فائز الخوري ، عفيف الصلح ، نجيب البرازي ، أحمد اللحام ، وغيرهم من كبار وجوه المدينة وأعيانها وشبابها وطلابها .
وقد تألفت المظاهرات الشعبية الرائعة لتحيتهم والترحيب بهم ، وكانت تفد إلى الساحة الواقعة أمام الفندق العظيم ، هاتفة لهم مرحبة بهم ، ُمحيّية فيهم شعورهم الوطني الرائع الذي حملهم على زيارة العاصمة دمشق تأييداً لمطالبهم في الوحدة السورية ، وسعيهم لإعلان رأي مواطنيهم في تاليف الدولة السورية الكبرى .
وقد كان أعضاء الوفد العلوي الكريم يخطبون في الجماهير الزاحفة بتحيتهم ، وكان أكثرهم خطباً في المظاهرات ، الأستاذ عبد الله العبد الله ، والإستاذ بولس ديبة ، والإستاذ إبراهيم الخوري ، والإستاذ فائز الياس .
وقد تمكنا من أخذ هذه الصورة لفريق من حضرات اعضاء الوفد الكريم ، وهم في الصف الأول من اليسار : الأستاذ فائز الياس ، الشيخ علي شهاب ، الشيخ علي كامل ، اسماعيل بك الهواش ، محمود بك عبد الرزاق ، الأستاذ بولس ديبة ، وفي الصف الثاني من اليمين الأستاذ ابراهيم الخوري ، والأستاذ عابدين حمادة ، حامد بك المحمود ، منير بك العباس ، يونس بك اسماعيل يونس، وفي الصف الثالث من اليمين الدكتور بشور ، فالأستاذ عبد الله العبد الله ، فدباح بك الدندشي ، فعلي بك عبد الكريم الدندشي ، فنديم بك عباس ، فشوكة بك عباس .
هذا ، وقد غادرنا الوفد العلوي عائداً إلى بيروت شاكراً لدمشق الحفاوة الرائعة التي قوبل بها ، وأرسل إلينا كلمة الشكر التالية : يغادر الوفد العلوي دمشق الجبارة ، أم البلاد السورية ، شاكراً مالقيه فيها من حفاوة وتكريم ، متأثراً بتلك العواطف الطيبة التي أحاطه بها زعماء الكتلة الوطنية ، والوجوه والأعيان والشباب الوطني حاملاً إلى بلاده ، أثمن الذكريات ، وأجملها عن هذه الزيارة التي أراد بها الوفد تأييد البلاد العلوية وتضامنها مع سورية الكبرى في جهادها وعملها لتحقيق الوحدة السورية العامة التي تجمع شمل البلاد ، وتمتعها بكيانها الدولي . ) .
( 8 )
وفي ستينات القرن المنصرم أصدر عدد كبير من العلماء والشيوخ في جبل العلويين بياناً في مواجهة الفرقة والفتن جاء فيه : ( إن أكثر ما يفرّق بين الناس جهلهم بحقيقة بعضهم البعض واتباعهم لما تزين لهم أهواؤهم واعتمادهم في التحدث عن سواهم على الأقاويل دون تمحيص أو تثبت. وهذا الجهل المفرّق بين الناس أعطى تاثيره السيء في الماضي والحاضر ، في الماضي : جعل الناس يتراشقون بالتهم إبان التخاصم السياسي ، فكان كل فريق ُيسّجل على الآخر مايتهمه به في دينه ودنياه . وفي الحاضر لايزال المتزمتون والمغرضون يتناقلون التهم المسجلة في الماضي على انها حقائق تاريخية ، ويروجّها أعداء العرب والمسلمين ، حتى لتكاد تقطع كل صلة رحم دينية ... والعرب والمسلمون اليوم – في محنتهم السياسية ، وفي يقظتهم الحاضرة – مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى تمحيص تلك التهم ونبذها . وهم مدعوون على التسامح الإسلامي في الخلافات حول الفروع ، وعلى الأخذ بما يقرّه العقل والدين ، لا بما يتقوّله أو يسجله الجهلاء والمغرضون . ومصلحة جماعات العرب والمسلمين في هذا الظرف الحرج تقتضي من عقلاء كل جماعة اليقظة والحذر من التشنيع على الغير بما عند جماعتها مثله ، أو شبيه به . ولا يخلوا أي مجتمع من انحرافات دخيلة ، صار بسببها عرضة للتشهير والتحامل . والمصلحة ، كل المصلحة ، في المبادرة إلى إصلاحها ، والتخلص منها ، بدلاً من الاستمرار في التشهير بأخطاء الآخرين ، والتنديد بها . وما من خطة للأصلاح أجدى من الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة )، ثم تطرّق البيان لأصول علوم الدين الإسلامي لدى المذهب يدحض ما يُشاع ، وقد وقّعّ البيان العلماء والشيوخ الأفاضل مع حفظ الألقاب ، وهم السادة : ابراهيم جمال ، ابراهيم سعود ، ابراهيم صالح معروف ، ابراهيم حرفوش ، ابراهيم حسن النجار ، ابراهيم الكامل ، أحمد علي حلوم ، احمد محمد رمضان ، أحمد علي الخير ، اسماعيل شحود ، حسين سعود ، حسن عباس ، حبيب صالح معروف ، حامد عامودي الطرابلسي ، حمدان الخير ، حسن محمد علي ، حيدر محمد حيدر ، سلمان خليل الوقاف ، رجب سعيد خليل ، سلمان احمد سلمان ، سلمان حسن، سلمان أحمد خضر ، سليمان عيسى مصطفى ، صالح علي صالح ، عبد الرحمن الخير ، عبد اللطيف ابراهيم مرهج ، عبد الكريم علي حسن ، عبد اللطيف الخير ، عبد الكريم الخطيب ، عباس ميهوب حرفوش ، عبد اللطيف شعبان ، عبد الله عابدين ، عبد الهادي حيدر ، علي عبد الله ، علي عبد الرحمن ، علي احمد محمد كتوب ، علي حسن علي ، علي محمود منصور ، علي معروف ابراهيم ، علي عيسى حسن ، علي عزيز ابراهيم ، علي ابراهيم حسن ، علي سليمان الأحمد ، غانم ياسين ، فضل فضة ، فضل غزال ، كامل حاتم ، كامل الخطيب، كامل صالح معروف ، محمود صالح عمران ، محمد حامد ، محمود صالح يوسف ، محمد حمدان الخير ، محمود سليمان الخطيب ، محمد علي أحمد ، محمد محرز ، محمد يوسف حمدان عمران ، محمود مرهج ، محمد علي رمضان ، محمود أحمد عمران ، محمود محمد سلمان ، محمود علي الشريف ، محمود سعيد ، محمود علي سلمى ، محمد بدر ، مسعود صالح حلوم ، مصطفى السيد ، معلا محمد عبد الرحمن ،منصور صالح عمران ، معروف بدر ، نصر الدين زيفا ، ياسين محمد اليونس ، ياسين عبد الكريم محمد ، يوسف حسن يوسف ، يوسف حلوم ، يوسف صارم ، يوسف ابراهيم اليونس ، يونس حسن خدام ، يونس محمد ، يوسف غانم الخطيب .)
( 9 )
إننا إذا كنا قد عرّجنا على بعض المواقف الحكيمة من مواطنين في الجمهورية العربية السورية ، فإن مثل تلك المواقف النبيلة نجدها في مختلف أرجاء البلاد من حكماء أفاضل واجهوا الجهالة ، والعصبية الجاهلية في درعا والسويداء والقنيطرة ودمشق وحمص وحماه وطرطوس واللاذقية وأدلب وحلب والاسكندرونة والرقة ودير الزور والحسكة والبلدات والقرى في هذه البلاد ، وهم جميعاً ، ونحن معهم نبرأ إلى الله من الأعمال الجائرة التي اقترفها ، ويقترفها السفهاء منّا ، أياً كانوا ، وممن يقرّها ، كائناً من كان .
( 10 )
إن الواقع الموضوعي في الجمهورية العربية السورية ، والظروف الاستثنائية التي تمر على البلاد ، وكذلك استمرار احتلال أجزاء من أرض الوطن في الجولان ، والاسكندرونة ، هذا بمجمله انعكس سلباً على الدولة ، ومؤسسات السلطة فيها ، على المجتمع ، ومؤسساته المدنية ، والحزبية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والثقافية ، والقانونية ، مما عّطل إلى حد كبير تفعيل قانون "الجدل الاجتماعي" ، وأعاق ، ويعيق تطور المجتمع ، وتقدمه ، كما أدى من حيث النتيجة إلى انكفاء قطاعات واسعة من المجتمع عن المساهمة في الشأن العام ، والسياسي منه ، بخاصة : خوفاً ، أو عجزاً ، أو يأساً ، أو إحباطاً .
لهذا ، ولأسباب أخرى كثيرة ، وتفاصيل لا حصر لها ، فإن جميع القوى الحية في المجتمع مطالبة باستنهاض ، وتجديد شباب أدواتها ، وبرامجها ، لمواجه الفتن ، والفساد ، والاستغلال ، والمساهمة في بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية ، ومنهجية تنظفهّا من الفساد ، والشخصنة ، والمحسوبية ، وتطبيق النظام العام وفق أسس العدالة ، والمساواة ، وصيانة حقوق الإنسان الأساسية ، وحرية الرأي ، والتنوع السياسي ، وتحديث القوانين ، والأنظمة ، والقواعد الدستورية ، بما يتلاءم مع التطورات ، والمتغيرات الاجتماعية والسياسية ، والتي بموجبها يتم رفع القيود عن تطور المجتمع الذي ينهض بذلك مُستنداً إلى مبادئ الحرية ، والمساواة ، والعدالة ، بدون استثناء ، أو امتياز ، أو إقصاء ، أو استئصال ، أو إهمال ، أو قهر ، كما أن الظروف الراهنة تفرض تنظيم جميع القوى الحية في المجتمع ، واستنهاضها للمساهمة في التخطيط الشامل ، والبناء المتوازن ، ومواجهة جميع أشكال استغلال الإنسان للإنسان ، أو ظلم الإنسان للإنسان ، أو استبعاد الإنسان للإنسان ، أو طغيان الإنسان على الإنسان ، أو إقصاء الإنسان للإنسان ، أو عدوان الإنسان على الإنسان ، أو إيذاء الإنسان للإنسان ، بهذا ، وبهذا فقط ، ينهض المجتمع ، ويساهم كل مواطن بدوره في بناء صرح الجمهورية .
بمقتضى هذا كله ، بالاستناد عليه ، وبالانطلاق منه ، ولتغيير الواقع بمقتضاه ، يجب أن يتداعى جميع المواطنين ، لوضع حد نهائي وحاسم للمحاولات التخريبية التي تستهدف تحطيم النسيج الاجتماعي عمودياً في الجمهورية ، ووضع حد نائي للنكوص عن المواطنة ، فمن هم المواطنون في سورية ؟.
( 11 )
تشير الروايات التاريخية قبل الإسلام إلى الأمارات ، والقبائل ، والعشائر ، وأفخاذها ، التي كانت تنزاح تغريباً ، وتشريقاً في الأرض العربية ، ونحصر بحثنا هنا على تموضعها في دولة الجمهورية العربية السورية الحالية التي تم رسم حدودها بموجب معاهدة بين سايكس الإنكليزي ، وبيكو الفرنسي ، ثم بموجب ما قرره المندوب السامي الفرنسي منفرداً في لبنان والأسكندرونة ، مع الأخذ بعين الاعتبار تموضع فروع تلك القبائل والعشائر وامتداداتها في الدول العربية الأخرى ، فمن تلك القبائل من استقر واختص بالأرض ، حيث شيدّّت حاضرات مدنية مثل الآراميين والسومريين والكنعانيين والسريان والآثور ، ومن تلك القبائل من حافظ على الترحال ، مدراً ، ووبراً ، وبداوة ، ومنها من انزاح باتجاه الجبال والوديان والبوادي لتستقر وتلتحق بالحاضرات التي سبقتها إلى الاستقرار ، فقبيلة "تنوخ – قضاعة" على سبيل المثال ، لا الحصر ، والتي اتبعت خط الهجرة من اليمن إلى الشام أقامت الإمارة التنوخية في بادية الشام ، ثم انزاح "تنوخ قضاعة" بعد الإسلام من بادية الشام إلى معرة النعمان ، ومنها انتشروا في جبال اللكّام الساحلية الممتدة من الاسكندرونة مروراً بجبال اللاذقية ، وحتى سلسلتي جبال لبنان ، وقد اعتنق التنوخيون في غالبيتهم الإسلام ، ثم توزعّوا بين المذاهب الإسلامية ، كما كان بعضهم الآخر قد اعتنق الديانة المسيحية ، وتوزعّوا بين طوائفها ، وقد حافظ التنوخيون على علاقاتهم العشائرية ، وهم يشكّلون الأرومات لأغلب المواطنين الذين يقطنون المناطق الواقعة بين حمص ، وحماه ، وحلب ، ثم غرباً ، وحتى ساحل البحر الأبيض المتوسط في الغرب ، وقد تداخلت مع التنوخين عشائر انزاحت من العراق ، كالسنجاريين ، وعشائر عانا ، والقراحلة ، والأضنيون ، والانطاكيون ، والتراكلة الذين تحالفوا مع الكتل العشائرية الأربعة للتنوخين ، وهم : 1 - كتلة الخياطية : ، وتضم الخياطية ، والبساترة ، والعبدية ، والضلاعنة ، والفقاورة ، والعمامرة ، والبراعنة ، والخزرجية ، والسوارخة ، 2 - ثم كتلة الكلبية : ، وتضم الكلبية ، والنواصرة ، والجهنية ، والقراحلة ، والجلقية ، والرشاونة ، والشلاهمة ، والرسالنة ، والجريرية ، 3 - ثم كتلة الحدادية : ، وتضم الحدادية ، وبنو علي ، والبشالوة ، والباشوطية ، والعتارية ، والشماسنة ، والركاونة ، 4 - ثم كتلةالمتاورة ، ، وتضم المتاورة ، والحلبية ، والنميلاتية ، والسرابنة ، والصوارمة ، والمهالبة ، والدراوسة ، والمحارزة ، والبشارغة ، والجواهرة ، والسواحلية .. وجميع هذه العشائر تعود بأروماتها إلى قبيلة "تنوخي قضاعة" والتي تعود أصولها إلى اليمن ، ونحن نشير إلى الأصول العربية لتلك العشائر ، وذلك لإزالة اللبس بين الانتماء العربي لتلك العشائر ، وبين العقائد المذهبية الدينية التي اعتنقها بعض أبناء تلك العشائر ، كما تداخلت مع هذه العشائر ، عشائر أخرى انزاحت من حميّر اليمن ، كالدنادشة ، ومن المعرة أيضاً انطلق بنو العظم إلى حماه ، ثم إلى دمشق ، منذ القرن الثاني عشر الهجري ، وبالتزامن مع ذلك تقريباً كانت قبائل بني معن ، وبني شهاب ، وبني حمدان ، وهي قبائل من أرومات يمنية أيضاً ، تنزاح بين الشوف في دولة لبنان ( الحالي ) ، وبين جبل حوران ، وبني عبد الغفار ، ومنهم بني الأطرش ، فأخذ الجبل ، أسم جبل العرب ، حيث استقروا فيه منذ القرن الثاني عشر ، ويدينون بالإسلام ، ويتوزعون على مذاهبه ، وبعضهم من أرومات الغساسنة ، وسواها يدينون بالمسيحية ، ويتوزعون على طوائفها ، وفي حوران نلحظ في ذات المرحلة التاريخية تقريباً اندماج سنان بن عليان أمير بني كلب ، مع صالح بن مرواس الكلابي ، مع حسان بن مفرج الطائي في حوران ، حيث اقتسما الحكم في بلاد الشام كلها ، حتى القرن الخامس عشر .
وهكذا نلحظ في حوران قبائل السلوط ، والبكار ، والوهبان ، والولد علي ، والدياب ، والتلاوية ، والمناظرة ، والكلابات ، والفحيلية ، وامتداداً لذلك في جبل العرب نلحظ المساعيد ، والحسن ، والشراقات ، والعظامات ، والشنابلة ، والسردية ، والجوابرة ، والحواسن ، أما في الجولان ، فقد استقرت قبائل آل فضل ، والنعيم ، واللهيب مع بطونها ، وأفخاذها ، وعشائرها ، وفي منطقة دمشق ، ومحيطها استقرت عشائر الروالة ، وهي إحدى فروع قبيلة العنزة العدنانية ، وموطنها الأصلي في أواسط نجد ، وشمال الحجاز ، وزعامة الروالة ، معقودة لآل الشعلان ، وبطونها الجمعان ، والكواكبة ، والقعاقعة ، والفرعة ، إضافة إلى العشائر المتحالفة معها ، وهي الأشاجعة ، والسوالم ، والعبد الله ، وقد امتد الروالة ، إلى القريتين في حمص ، ثم عشائر الجملان ، ونعيمة ، والصياد ، والقعيدات ، والغياث ، وقد انتشرت تلك العشائر حتى القلمون ، وحمص التي اختلطت فيها تلك العشائر ، مع الأحسنة ، وفروعها من الجحيم ، والشمسي ، والعويمر ، والقبلان ، والملحم ، وما يلحق بها من العمّور ، ثم عشائر بنو خالد ، وهم بطن من بني مخزوم من قريش ، وقبيلة النواعرة ، والنعيم ، والحروك ، والعقيدات ، والمشارقة ، والرعية ، والعمور ، والصلبة ، أما قبائل محافظة حماة فأهمها : الأسبعة ، وهي قبيلة عنزية أيضاً ، وفرعها البطينات الممتدة حتى السلمية ، ثم قبائل العقيدات ، وبنو عز الرعية ، والحبلان ، والبشاكم ، والجملان ، والموالي ، والحديديون ، والسماطية ، والجماجمة ، والنعيم ، وإذا انتقلنا إلى محافظة حلب نجد قبائل الموالي ، والحديديون ، والسكن ، والأبوليل ، والولدة ، والأبوشيح ، والأبو شعبان ، والوهب ، والنعيم ، وبنو زيد ، واللهيب ، والبكارة ، وتلك القبائل منتشرة في إدلب ، وإعزاز ، وجسر الشغور ، وسهل الغاب ، وحارم ، والباب ، حيث نجد إلى جانب تلك القبائل ، الغناطسة ، والوهب ، والكيار ، والبو خميس ، والأبو بطوش ، والمجادمة ، والنعيم ، والعون ، والأبو عاصي ، والأبو جميل ، والفردون ، والأبو سبيع ، والهنادي ، والمصاروة ، وبنو زيد ، وتنتشر تلك القبائل في عين العرب ، وجبل الأكراد ، ومنبج ، حيث قبائل العون ، والعميدات ، وبنو سعيد ، والعاقرة ، والأبو سلوم ، والعمر ، والمكالحة ، والخطاب ، والأبو سلطان ، والولدة ، وتنتشر تلك القبائل ، والبطون ، حتى جرابلس ، أما على الفرات في دير الزور ، والرقة ، والبو كمال ، والميادين ، فتصادفنا قبائل العقيدات ، والجحيش ، والأبو شعبان ، والجيام ، والمشهور ، والنعيم ، والفدعان ، وفي جزيرة الفرات نجد قبائل شمر ، وطي ، والجبور ، وحرب ، والبكارة ، وقيس ، والشرابيون ، وتغلب ، وأغلبية تلك القبائل ، وبطونها ، وأفخاذها دخلت الأسلام ، وتوزعت على مذاهبه ، وبعضها دخلت في المسيحية ، وتوزعت على طوائفها، وإضافة إلى تلك القبائل ، نجد القبائل ، والعشائر الكردية ، أو "سكان الجبال" ، تلك القبائل التي انتشرت في الجبال الشمالية لسورية وانزاحت إليها قبائل كردية ، من ديار بكر ، وشمال العراق ، وانتشرت حتى دمشق ، ويدين الأكراد بالإسلام ، ويتوزعون على مذاهبه ، ومنهم أهم مرشدي الطرق الصوفية ، كالقادرية ، والنقشبندية ، وهناك أسر منهم تعود بنسبها إلى البيت النبوي الشريف ، ويطلق عليهم " السادة " كما في البيوتات العربية الأخرى التي تشاركها هذا النسب ، يضاف إلى ذلك جماعات الآشوريين ، والكلدان ، والسريان ، والآراميين ، والتركمان ، وحضارات لا حصر لها ، في تدمر ، وماري ، وأوغاريت ، وأفاميا ، وإيبلا ، ومعلولا ، وبصرى ، ودمشق كأقدم مدينة في التاريخ ، إلى الفينيقيين ، والكنعانيين ، ثم ، وبالإضافة إلى ذلك كله اجتاحت هذه البلاد جيوش الإمبراطوريات التي تعاقبت عليها من بلاد الرومان ، واليونان ، والفرس ، والمغول ، والتتار ، وتركت آثارها حيث استقر البعض منهم في هذه البلاد وباتوا جزءاً من نسيجها الاجتماعي ، بالإضافة إلى الهجرات الاضطرارية من الشراكسة ، والأرمن الذين لجأوا إلى هذه البلاد هرباً من بلدانهم ، فتفاعلوا مع المكونات المجتمعية ، وباتوا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع في سورية .
( 12 )
من تلك الأرومات على تنوعها ، وتعدد مصادرها ، ومن أرومات أخرى فرعية يصعب حصرها ، تكوّن هذا الشعب العربي السوري الذي هو الركن الأول ، والأساسي في تكوين هذه الدولة "الجمهورية" التي رسم حدودها "سايكس وبيكو" ، حيث يمكن تتبع الامتداد التاريخي للجماعة البشرية التي تكوّن منها هذا الشعب في أرجاء الوطن العربي ، وهكذا أقرت جميع دساتير الدولة السورية المتعاقبة ، أن شعبها جزء من شعب الأمة العربية المنتشرة على وطنها الممتد بين المحيط الأطلسي ، والخليج العربي .
بناء عليه ، فإن هذا المجتمع "الشعب" ، بقدر ما يمّتن من نسيج العلاقة بين مكوّناته ، ويتجاوز بنجاح كل محاولات النكوص إلى علاقات ما قبل المواطنة ، أياً كانت ، ومهما كانت الدوافع ، بقدر ، ما ينفتح الطريق أمامه إلى التطور ، والرقي ، والتقدم .
إننا ندرك ، أن الظروف التي مرت بالبلاد خلال قرون عديدة ، قد تركت ، عقابيل ، وأحاسيس مرة ، بالقهر أحياناً ، وبالظلم أحياناً أخرى ، من هذا الطرف على ذاك ، أو العكس ، لكن هذا يجب أن يعالج في إطار من الوعي التاريخي ، ونكاد نقول ، أن الجميع في هذا الوطن ، يتساوون تقريباً في الظلم الذي تعرضوا له ، وإن كانت نسبته تختلف من مكان لآخر ، ومن فئة إلى أخرى ، لكن ، إذا لم يدرك الجميع أن الصراع داخل المجتمع ، وبين مكوناته ، لن يؤدي بأحد إلى العدالة ، والمساواة ، وإنما سيؤدي إلى استقرار الظلم على رؤوسهم جميعاً ، وإن بنسب مختلفة ، وأن استنهاض القوى الحية في المجتمع ، مجتمعياً ، وطنياً ، هو السبيل الوحيد للخروج من المأزق .. إلى التطور ... ، وهو السبيل الوحيد لإنصاف الجميع ، دون استثناء ، كما يجب وضع ذلك كله في إطار موجات العدوان الخارجي التي استهدفت الوطن العربي على مدار قرون متعاقبة كانت الصراعات الداخلية فيها تدار ضمن أجندات تستهدف تسعير الاقتتال الداخلي لتسهيل السيطرة الخارجية ، وهي تدار الآن لتسهيل الاستبداد الداخلي أيضاً .
( 13 )
هنا ، لابد من تثبيت قاعدة عقدية مجتمعية ، وطنية ُتحدّد الطريق إلى التطور ، وتكون هي الحكم عند الاختلاف ، بين التطور إلى الأمام ، وبين النكوص إلى التوحش ، بين التقدمية التي ترتقي بالمجتمع ، وبين الرجعية التي تنحط بالجميع إلى مزيد من الانحطاط .
فالإنسان تطور من الفردية ، إلى الجماعات البشرية المتعاقبة ، من الأدنى إلى الأرقى ، وبالتالي ، فإن كل ارتقاء تقدمية ، وكل نكوص رجعية ، وكمثال حي معاصر على ذلك نبرز التجربة الأوروبية ، فالذين ناضلوا لنقل أوروبا من الدوقيات ، والإقطاعيات ، والأثنيات ، إلى الدول القومية ، كانوا تقدميين ، والذين يناضلون اليوم لتوحيد أوروبا في دولة قارية واحدة متجاوزين الدول القومية ، هناك ، هم التقدميون المعاصرون ، أيضاً ، والعكس صحيح .
وعلى مدى قرون تم الاختلاط في "دولة سورية" الفعلية ، بين جميع هذه القبائل والعشائر والأعراق والشعوب المنوه عنها ، وانتقلوا بغالبيتهم الساحقة إلى الحياة المدنية ، وتحابوا ، وتزاوجوا ، وتوافقوا ، واختلفوا في المواقف من القضايا السياسية المطروحة يساراً ويميناً ، لكن بصفتهم كمواطنين ، وليس بصفاتهم كقبائل وعشائر وأديان ومذاهب وإثنيات .
بناء على ذلك ، فإن جميع الجهود ، لشد النسيج الاجتماعي ، بين المكونات الاجتماعية ، للمجتمع ، في الجمهورية العربية السورية ، دون طغيان ، أو تفرد ، أو هيمنة ، أو انتقاص من حقوق أحد ، أو امتيازات لأحد ، على حساب أحد ، هي جهود تقدمية يجسدّها المواطنون ، المواطنون ، في علاقاتهم ومواقفهم على كافة الصعد ، وبالمقابل ، فإن ، أية جهود للنكوص عن المواطنة الحّقة ، إلى علاقات ما قبل ذلك ، تحت أي عنوان كان ، هي جهود رجعية ، مهما كانت الشعارات ، يتصدى لها المواطنون ، المواطنون، في الجمهورية العربية السورية .
( 14 )
تقوم "دولة الجمهورية العربية السورية" حالياً على جزء من أرض الوطن العربي ، مساحتها 185 ألف كيلو متر مربع ، تحتل منها " دولة " المستوطنات الصهيونية منطقة الجولان ، وتحتل منها الدولة التركية منطقة الاسكندرونة وكيليكيا ، أما تعداد الشعب في الجمهورية العربية السورية ، فقد تجاوز العشرين مليون مواطن .
يتوزع المواطنون في "دولة الجمهورية العربية السورية" ، على أربعة عشر محافظة ، وكنتيجة لتمركز الخدمات في المدن ، وفقدان التخطيط الشامل ، والنمو المتوازن ، حدثت هجرات كثيفة من الأرياف إلى المدن ، مما أدى إلى عشوائيات في مختلف المجالات ، حيث تزاحم المواطنون في مناطق ، ما ، بينما ظلت مناطق أخرى خالية ، ومناطق بدون كثافة سكانية ، وهذا بدوره أدى إلى عشوائية التعامل مع الموارد المادية ، والبشرية في البلاد ، مما يستدعي إعادة تأهيل المؤسسات في البلاد على الصعيد المجتمعي ، وعلى الصعيد الحكومي ، ولكل مواطن دوره وموقعه انطلاقاً من قاعدة تؤسس على أن إنسانية الإنسان وحريته وحقوقه هي المنطلق والغاية ، حريته في الاختيار ، حريته في اختيار الموقف دون إكراه ، حريته كإنسان فرد ينتمي إلى المجتمع الوطني في سورية الذي يحتضن الانتماءات الفرعية إلى عائلات وعشائر وقبائل وإثنيات وأديان وطوائف ومذاهب ومناطق ومدن وأرياف ومهن ومصالح اقتصادية واجتماعية وتوجهات ثقافية وأدبية ومواقع ديموغرافية وموروثات في الأعراف والقيم والتقاليد والفلكلور ، جميع تلك الانتماءات الفرعية يجب أن ُتحترم ويتم النسج بينها جميعاً لتمتين الأواصر الوطنية والارتقاء إلى قيم المواطنة الحقة التي تضمن المساواة والعدالة والحرية لجميع المواطنين بدون استئثار أو إقصاء ، أو تهميش ، يتبادلون المعارف ويحتكمون لرأي الأغلبية لا فرق بين أي واحد منهم والآخر إلا بدرجة الوعي والأختيار الراشد بغض النظر عن الموروث البيولوجي والخريطة الجينية والموروث الديني والمذهبي والطائفي والعرقي والعائلي والقبلي التي لايد لهم فيه ، المسألة ليست في طبيعة الأرومات التي أتوا منها ، وإنما في مواقفهم منها ، وكيف يمكن تموضعها في تركيبة النسيج الوطني لتشدّه وتمتنّه ، لا لتتلفه وتمزقه ، وبالتالي تسعى الطليعة العربية لتحقيق المساواة التامة بين المواطنين بغض النظر عن الدين والعرق والطائفة والمذهب والعائلة والجنس والمنطقة والطبقة ، فالوعي بالمشكلات وإبداع الحلول والممارسة والالتزام هي المعايير الوحيدة للمواطنة التي تم الارتقاء إليها من عشائر وقبائل وحضر ووبر ومدر وبدو ، منهم من يدين بالموسوية ، ومنهم من يدين بالمسيحية ويتوزعون على طوائفها ، ومنهم من يدين بالإسلام ويتوزعون على مذاهبه ، ومنهم الصابئة ، ومنهم من يؤمنون بديانات أخرى ، ومنهم من لادين له ، ومنهم الأعراب العاربة والمستعربة ، ومنهم الأكراد والآشور والسريان والآراميين ، ومنهم سكان الجبال والصحراويين ، وسكان السواحل ، ومنهم الشراكسة والشيشان والأرمن ... هؤلاء جميعاً تفاعلوا فيما بين بعضهم البعض واختلطوا وتزاوجوا واختصوا بهذه الأرض ، المواطنة حق لهم جميعاً والالتزام بمقوماتها حق للوطن عليهم جميعاً ، لا فرق بينهم ، لا إقصاء ، ولا هيمنة ولاتهميش ولا امتيازات ، ولكل حسب جهده ، ولمن يريد من كل هؤلاء أن يفصل بين المواطنين عمودياً تحت أي ادعاء ، عليه أن يفحص خريطته الجينية في إحدى المختبرات وستأتيه النتائج بالعجب العجاب ، فليكف الجميع عن النكوص العرقي والديني والمناطقي والمذهبي والطائفي ، وليفتح باب الجدل الاجتماعي على البناء في الحاضر ، وليولي الجميع وجوههم شطر المستقبل علهّم يعوضّون ما فاتهم من التقدم ، ويلحقون بركب الحضارة الذي انطلق من ديارهم ، ويتوهون اليوم عن اللحاق به .
( 15 )
هكذا نستعيد الحلم ، الحامل له جيل شاب حيوي واع شجاع منفتح على مايحدث في العالم واثق بقدراته يستفذه التخلف عن ركب الحضارة ، ويرى فيه أنه تخلف مُفتعل بفعل فاعل ، لهذا قرر أن يواجه هذا الفاعل ، والطريق ليس مفروشاً بالورود ، لكنه جيل بات يعرف أن الحرية هي طريق التحرر والتطور والبناء ، وهو صمم أن ينتزعها مهما كان الثمن ، ولعله يردد مع بدوي الجبل :
قد تطول الأعمار لا مجد فيها ويضم الأمجاد يوم قصير
كل فرد من الرعية عبد ومن الحكم كل فرد أمير
نحن موتى ! وشر ما ابتدع الطغيان موتى على الدروب تسير
نحن موتى ! وإن غدونا ورحنا والبيوت المزوقات قبور
محنة الحاكمين جهل ودعوى جبن فاضح ومجد عثور
نهبوا الشعب ، واستباح حمى المال جنون النعيم والتبذير
مزقوه ، ولم يُمزق ، فالشعب عليم بما أرادوا خبير
حكموه بالنار فالسيف مصقول على الشعب حده مشهور
عبرة للطغاة مصرع طاغ وانتقام من عادل لا يجور
كل فرد
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني