إنَّ لِعزِّ الدينِ القَسَّام مَهابَة ٌفي قبرِه
بقلم / محمود ناجي الكيلاني
( رَجُلٌ بألفْ وألفٌ بِخُفْ) و ( رُبَّ هِمَّة،أحْيَتْ أمَّة ) و ( إنَّ للأسَدِ مَهابَة ٌفي مَماتِه،لا يَنالُها اللاهِثُ في حَياتِه ) ( وَكَم رَجُلٍ يُعَدُّ بَألفِ رَجُل ** وَكَم أَلفٍ يَمُرُّ بِلا عِدَادِ ) و (لا تَسَلْ عَنْ سَلامَتِه**روحُهُ فَوقَ راحَتِه..أبْدَلتْهُ هُمومُهُ **كَفَنا ًمِنْ وِسادَتِه ). (1)
هذه الحكم والأبيات الشعرية،بألفاظها الجزلة،ومعانيها المعبرة،تنطق بها الذاكرة وبغيرها التي لا يتسع المجال لذكرها لا إراديا عند ذِكر قلة من الرجال الذين وضعوا لأنفسهم بصمة في جبين التاريخ،ولم يكونوا عالَةً على الأمة والبشرية بوجودهم،أو ثقلاء على سطح الأرض بنرجسيتهم وغثائيتهم وقعودهم،تتمنى ابتلاعهم في جوفها وصَهرَهُم بنُواتِها،أو كريشة خفيفة تتناقلها الرياح أين هبت مُشرِّقَة ًأو مُغَرِّبة لسلبيتهم ولا مبالاتهم وبرود أعصابهم الخانق،واضعين نصب أعينهم نصرة دينهم ورفع رايته وتحرير بلدانهم من دنس المعتدين،ولذلك يصدق فيهم قول الله عز وجل الذي يفوق كل بيان في كتابه العزيز :{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } .( 2 )
وقد كان من أولئك الرجال ابن جبلة السورية الشيخ المُعَمَّمُ والمجاهد المعلَّم عز الدين بن عبد القادر القسام - رحمه الله - الذي ما ترك معقلا لجهاد أو ساحة لمناهضة محتل في زمانه،واستطاع الوصول إليها،إلا وشارك فيها،بدء ًمن مناصرته لحركات التحرر التي كانت تقاوم المحتل الإنجليزي لمصر أيام دراسته في أزهرها،فقيادته لأول مظاهرة في ليبيا ضد الصائل الإيطالي وتكوينه لسرية من مئتان وخمسون متطوعا وجمع التبرعات لهم،فجهاده الانتداب الفرنسي المحتل لمسقط رأسه سوريا،والذي حكم عليه بالإعدام غيابيا ديوانه العرفي العميل بعد رفضه بيع نفسه لهم بمنصب قاضٍ شرعي،ليفر بدينه ونفسه من بلدته الساحلية إلى قرية الحفة الجبلية مشاركا عمر البيطار في ثورة جبل صهيون بعد بيعه لبيته،إلى محاولاته الوصول إلى بلاد القوقاز المسلمة - كما تذكر بعض المصادر - لنصرة أهلها من الظلم الواقع عليهم وعمليات النفي والتهجير الممنهجة بحقهم،فاستقراره في حيفا بعد إخفاق الثورة السورية،بادئا بنشر العلم وبث الوعي ومحاربة الجهل والأمية والدعوة للإعداد وجهاد الإنجليز المحتلين لبيت المقدس.
حياة حافلة بالأحداث والمواقف،وسيرة عامرة بقيم الرجولة والبطولة،ومسيرة لا تعرف الحدود ولا القيود،يلمس المتعمق في قراءتها قوة إيمان القسام بربه،ورجاحة عقله،وجرأته في قول الحق وتجاوز عمله لعمره الزمني القصير بتصورنا بأضعاف.
فقد استطاع هذا الرجل بمفرده ومفرداته،بعد توفيق الله له،صناعة ما تعجز عنه كبرى المؤسسات بكوادرها وآليات عملها المبنية على نظم معلومات ودراسات واستراتيجيات،فما هي الأربعة والستون عاما من ولادته حتى وفاته في مقياسنا نحن؛لينجز كل هذا الإنجاز ويخوض تلك المعارك ويؤسس ويأبجد لجيل قادم؟
أحَبَّهُ الناس وكرهه المحتلون،فكان الناس عونا له عليهم وحاضنة يلجأ إليها هو ومن معه من المجاهدين في أحلك الظروف…عَرَفَ دينه بحق ودوره المنوط به كصاحب علم وفتوى،فغير الصورة النمطية في الأذهان عن الشيخ المُعَمَّم ِالجالس في تكيته ولا همَّ له ولا شاغل إلا انتظار وقت الأذان والإقامة..ثائِرا ًفي وجه من كانوا نياما ًمن دراويش الدفوف والموالد،وكأني أراه صارخا بهم حتى يستفيقوا من غفلتهم ووهمهم بما قاله الصحابي الجليل عبد الله بن رواحه رضي الله عنه:
بَرِئَ الإسلامُ من شاكٍ كَظيمْ لا يَراهُ غيرَ صَوم ٍوصَلاة
ذَروَةُ الدين ِجِهادٌ في الصَّميمْ فَلنُجاهِدْ أو لِتَلفِظنا الحَياة
ذَروَةُ الدين ِجِهادٌ في الصَّميمْ فَلنُجاهِدْ أو لِتَلفِظنا الحَياة
فمما ترويه حَفيدَة القسام عنه أنه " في إحدى خطبه،كان يخبئ سلاحا تحت ثيابه فرفعه قائلا : (من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتن ِ مثل هذا) فؤخذ مباشرة إلى السجن وتظاهر الناس لإخراجه وأضربوا إضرابا عاما،وكان يسأل الناس في خطبه: هل أنتم مؤمنون؟ ويجيب نفسه: لا،ثم يقول لهم:إن كنتم مؤمنين فلا يقعدنّ أحدكم بلا سلاح وجهاد. مركزا على حرمة الإسراف في زخرفة المساجد،وأن على الناس شراء السلاح بدلا من الثريات الفاخرة،كما كان دائم الاختلاف مع الشيوخ لأنهم كانوا لا يهتمون سوى بأمور التعبد من صلاة وصوم بينما كان اليهود يخططون ويشترون الأراضي،مؤمنا بعدم الفصل بين الدين والسياسة،كما كان على خلاف مستمر مع المستعجلين من أبناء تنظيمه الذين يريدون الثورة في حين كان القسام يعدّ ويتريّث ليضرب في الوقت المناسب ".( 3 )
لَكَمْ أحمد المولى عز وجل أن من أوائل الكتب والدراسات التي تمعنت فيها جيدا كتاب "الوعي والثورة.. دراسة في حياة وجهاد الشيخ عز الدين القسام " الذي أوجه لمؤلفه الدكتور سميح حمودة عبر هذا المقال تحية،ولو أنها جاءت متأخرة؛لحسن سبكه وسبره لمعالم مهمة في حياة القسام وشخصيته وأظن الكتاب قد خرج بحلة أجمل وبشكل أوسع فالطبعة التي كانت بين يدي الطبعة الأولى الصادرة عام 1985 وقد صودرت من سنوات للأسف.
فمن خلال استقراء سيرة القسام المعاصرة تيقنت بأن لا ثورة ناجحة إلا بعقيدة وعلم ووعي وفهم وإخلاص وصبر ونوعية كادرية وتضحية وحزم وبُعد نظر،فضلا عن عدم اليأس مهما كانت الصعاب مع التمتع بالقدرة على احتمال التشكيك والاتهام والانتقاص والخذلان من القريب قبل البعيد،ومن يتتبع التاريخ ويهتم بقراءة الثورات يدرك ذلك،فمن الثورات الفلسطينية التي علقت بأذهان الأمة ثورة القسام،و غيرها كان مصيرها الانحسار والاندثار؛لتوافر كل ما ذكرنا فيه وفي من معه؛لأن المسألة بجوهرها ليست حمل سلاح وحميات قبلية وفزعات عصبية،تفتر غالبا بذهاب بعض مسبباتها،وقد تعود وبالا على أصحابها الحقيقين من حيث لا يدرون،وأن التروي والصبر والتأني وعدم استعجال قطف الثمرة من أهم عوامل نجاح أي ثورة،فـ " من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه " كما تقول القاعدة الشرعية،ولاسيما إن كان الساعي للعمل يواجهه قوة عظمى يلزمها الإعداد الجيد،كما على القيادات عدم الخنوع لتشويش العناصر وتهويشهم مهما علا صوتهم وانتفخت أوداجهم.
قد يسأل سائل من الغائبين أو المغيبين
ولكم مني كل الشكر والتقدير
أخوكم
يوسف سماوي
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني