ليس جديداً القول بأن الأدب العربي هو في عمومه شعر ونثر. والشعر والنثر يشتمل كل منهما على أنواع مختلفة معروفة، ولا توجد من الناحية الشكلية علاقة تشابه بينهما، وقد توجد علاقة تشابه مضمونية بينهما، أي من ناحية المعنى. وفي كل الأحوال لا يمكن أن يسمى الشعر نثراً كما لا يمكن أن يسمى النثر شعراً. إن الأسلوب الجديد في الكتابة النثرية الذي سموه تعسفاً (قصيدة النثر) هو نثر محض ولا علاقة له بالشعر وإن مصطلح (قصيدة) الذي ذكر في تسميته هو ليس في مكانه الطبيعي، وإنما هو وهم واضح وقع فيه بعض النقاد وبعض الكاتبين.
ولا نريد لهذا الوهم أن يتأكد فيصير كأنه ابتكار أو فتح جديد ومن ثم يسجل تأريخياً أن أُسس الشعر التقليدية واضحة وضوح الشمس وأن أولها وأبرزها هو الوزن الشعري وأن هذا الأساس المهم هو وحده الذي يعرف به الشعر وهو الذي يميز الشعر عن النثر. إن الشعر هو الكلام الموزون المقفى المعبر عن عاطفة وانفعال وخيال. وهذا التعريف المتوارث عرف في الشعر العربي في كافة عصوره… أما النثر فهو الكلام المرسل الخالي من الوزن. والوزن هو النغمة الموسيقية التي تميز الشعر عن أيما كلام آخر. وهذا الوزن هو الفيصل ين الشعر والنثر. فأين الوزن في ما يسمى بقصيدة النثر؟ إن هذا الأسلوب النثري من اليسر بحيث يستطيع أن يكتبه أيما كاتب وليس من الضروري أن يكون صاحب موهبة. ولماذا يدعي كاتب قصيدة النثر الشاعرية؟ ولماذا لا يكتفي بلقب ناثر؟ إن الشعر فن من الصعوبة بمكان ولا يمكن أن يكتب الشعر الحقيقي إلا الشاعر الحقيقي ذو الموهبة الفذة والاقتدار النافذ والثقافة الوسيعة والأصيلة من أمثال المتنبي والمعري وابن الرومي والجواهري والسياب والبياتي. إن الشعر صعب ولا يتأتى لمن هب ودب وقديماً قالوا:
الشعر صعبٌ وطويلٌ سُلَّمُهْ
إذا ارتقى فيه الذي لا يفهمُهْ
زلت به إلى الحضيض قدمُهْ
وإذا كان كاتب هذا النمط من النثر من هواة الجديد فليأتِ بجديد مقبول من الناحيتين العلمية والفنية كما فعل أصحاب الشعر الحر. فقد أنتشر الشعر الحر وازدهر في الخمسينيات والستينيات وما زال يكتب وله شعراؤه. إنه شعر حقاً. وحر حقاً، فيه الوزن وفيه القافية منوعة، إلا أنه اتخذ التفعيلة وهي جزء من أجزاء الوزن بدل أن يتخذ الوزن بأكمله وتحرر بالقوافي ولم يلتزم بطول واحد للشطر وخرج من ربقة الشعر التقليدي وقيوده الصارمة.
لقد كان الشعر الحر شعراً فقط لأنه حافظ على الوزن أي على النغمة الموسيقية، ولو لم يحافظ على الوزن ما كان شعراً ولكان نثراً مهما جاء بالعواطف المثيرة والانفعالات الجياشة والخيال المحلق.
وفي ما يسمى بقصيدة النثر مثلبة أُخرى تبعدها عن الشعر أيضاً. إنها تتصف بظاهرة الغموض المستهدف من قبل الكاتب تعمداً. والشعر بكل نماذجه يميل إلى الوضوح والإبانة. إن الشعر في أي زمان وأي مكان واضح ومشرق وصافٍ وشفاف وبغير هذا فهو ليس من الشعر في شيء. إن الشعر لو لم يكن بيِّنا سلساً لما استجاب له قارئه أو سامعه فأثَّر فيهما. الشعر مشتق من الشعور، والشعور إدراك، والإدراك فعالية العقل الإنساني الرئيسية، فكيف إذن لا يتجاوب معه العقل ويفهمه ويتفاعل معه..؟ إن الشعر العربي لم يعرف الغموض والتعمية والإبهام المطلق. نعم، كان ثمة ما يعرف بالرمز كما في الشعر الصوفي مثلاً، لكن هذا الرمز له قرائن في النص الشعري يلتقطها القارئ المتفهم وإن هذه القرائن تقرب معنى الرموز المبهمة فتجلِّيها وتوضحها فتتبدى هذه الرموز كمواطن جمال أخَّاذ يأخذ بالألباب ويظهر مدى قدرة وموهبة شاعر النص ومدى سمو ورفعة هذا الشعر الصوفي الساحر. لكن الغموض في (قصيدة النثر) ليس من هذا القبيل وإنما هو غموض مُدَّعى، إنه غموض وحسب، غموض من أجل الغموض لا أكثر. غموض لا يشف إلا عن غموض في ذهنية الكاتب وإلا عن تظاهر بإبداء ثقافة ما، ومن أجل هذا الإبداء والتظاهر يهيل ما عنده من ألفاظ يريدها أن توحي بأنه عاش في مدن أوربية ورأى فيها ما لم نرَ أو أنه قرأ ما لم نقرأ في علم النفس أو الفلسفة أو مدارس الرسم والنحت ولا يهمه أن يدس لفظاً إنجليزياً أو فرنسياً.. وعلامَ كل هذا التمحل وهذا الإمعان بالادعاء وهذا الإغراق في الغرور والنرجسية والتعالي..؟! ليس كل ما عند الغربيين هو ما نطمح إليه في ثقافتنا المعاصرة.. إننا أُناس ورثنا ما ورثنا من تاريخنا الطويل العابق بالمجد وبالأصالة وبالعلم وبالفن وبالشعر وبالنثر ما فيه فخر حقيقي لنا وما فيه عز دائم إلى الحد الذي نجد فيه الغربيين اليوم بأمس الحاجة إليه لعلاج أنفسهم وتخليصها من العنجهيات الفارغة والتقليعات التافهة والسخيفة. اكتبوا ما تكتبون ولكن بأصالتنا الغالية وبقيمنا الحبيبة وسمُّوا الأشياء بأسمائها ولا تنجرُّوا وراء الزخرفات والبريق فأنتم أبناء العظماء الخالدين وحملة القرآن الكريم وورثة هذا الركام الحضاري الهائل المذهل الذي علَّم البشرية كلها، والمشرق كالشمس على مر الأحقاب والسنين.
الشعر صعبٌ وطويلٌ سُلَّمُهْ
إذا ارتقى فيه الذي لا يفهمُهْ
زلت به إلى الحضيض قدمُهْ
وإذا كان كاتب هذا النمط من النثر من هواة الجديد فليأتِ بجديد مقبول من الناحيتين العلمية والفنية كما فعل أصحاب الشعر الحر. فقد أنتشر الشعر الحر وازدهر في الخمسينيات والستينيات وما زال يكتب وله شعراؤه. إنه شعر حقاً. وحر حقاً، فيه الوزن وفيه القافية منوعة، إلا أنه اتخذ التفعيلة وهي جزء من أجزاء الوزن بدل أن يتخذ الوزن بأكمله وتحرر بالقوافي ولم يلتزم بطول واحد للشطر وخرج من ربقة الشعر التقليدي وقيوده الصارمة.
لقد كان الشعر الحر شعراً فقط لأنه حافظ على الوزن أي على النغمة الموسيقية، ولو لم يحافظ على الوزن ما كان شعراً ولكان نثراً مهما جاء بالعواطف المثيرة والانفعالات الجياشة والخيال المحلق.
وفي ما يسمى بقصيدة النثر مثلبة أُخرى تبعدها عن الشعر أيضاً. إنها تتصف بظاهرة الغموض المستهدف من قبل الكاتب تعمداً. والشعر بكل نماذجه يميل إلى الوضوح والإبانة. إن الشعر في أي زمان وأي مكان واضح ومشرق وصافٍ وشفاف وبغير هذا فهو ليس من الشعر في شيء. إن الشعر لو لم يكن بيِّنا سلساً لما استجاب له قارئه أو سامعه فأثَّر فيهما. الشعر مشتق من الشعور، والشعور إدراك، والإدراك فعالية العقل الإنساني الرئيسية، فكيف إذن لا يتجاوب معه العقل ويفهمه ويتفاعل معه..؟ إن الشعر العربي لم يعرف الغموض والتعمية والإبهام المطلق. نعم، كان ثمة ما يعرف بالرمز كما في الشعر الصوفي مثلاً، لكن هذا الرمز له قرائن في النص الشعري يلتقطها القارئ المتفهم وإن هذه القرائن تقرب معنى الرموز المبهمة فتجلِّيها وتوضحها فتتبدى هذه الرموز كمواطن جمال أخَّاذ يأخذ بالألباب ويظهر مدى قدرة وموهبة شاعر النص ومدى سمو ورفعة هذا الشعر الصوفي الساحر. لكن الغموض في (قصيدة النثر) ليس من هذا القبيل وإنما هو غموض مُدَّعى، إنه غموض وحسب، غموض من أجل الغموض لا أكثر. غموض لا يشف إلا عن غموض في ذهنية الكاتب وإلا عن تظاهر بإبداء ثقافة ما، ومن أجل هذا الإبداء والتظاهر يهيل ما عنده من ألفاظ يريدها أن توحي بأنه عاش في مدن أوربية ورأى فيها ما لم نرَ أو أنه قرأ ما لم نقرأ في علم النفس أو الفلسفة أو مدارس الرسم والنحت ولا يهمه أن يدس لفظاً إنجليزياً أو فرنسياً.. وعلامَ كل هذا التمحل وهذا الإمعان بالادعاء وهذا الإغراق في الغرور والنرجسية والتعالي..؟! ليس كل ما عند الغربيين هو ما نطمح إليه في ثقافتنا المعاصرة.. إننا أُناس ورثنا ما ورثنا من تاريخنا الطويل العابق بالمجد وبالأصالة وبالعلم وبالفن وبالشعر وبالنثر ما فيه فخر حقيقي لنا وما فيه عز دائم إلى الحد الذي نجد فيه الغربيين اليوم بأمس الحاجة إليه لعلاج أنفسهم وتخليصها من العنجهيات الفارغة والتقليعات التافهة والسخيفة. اكتبوا ما تكتبون ولكن بأصالتنا الغالية وبقيمنا الحبيبة وسمُّوا الأشياء بأسمائها ولا تنجرُّوا وراء الزخرفات والبريق فأنتم أبناء العظماء الخالدين وحملة القرآن الكريم وورثة هذا الركام الحضاري الهائل المذهل الذي علَّم البشرية كلها، والمشرق كالشمس على مر الأحقاب والسنين.
منقول للفائدة
تحياتي
ساره صالح
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
» وما غير الطبيعة من سِفر
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
» طال ابتهال المصطفى
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني